قد تكون بداية التأكيد العملي لنظرية الانفجار العظيم قد بدأت مع رصد الفلكي الأمريكي هابل للمجرات و محاولة تعيين بعد هذه المجرات عن الأرض مستخدما مفهوم لمعان النجوم الذي يتعلق بسطوع النجوم و بعدها عنا .
أمر آخر يمكن تحديده بالنسبة للنجوم هو طيف الضوء الصادرعن النجم عن طريق موشور ، فكل جسم غير شفاف عند تسخينه يصدر ضوءا مميزا يتعلق طيفه فقط بدرجة حرارة هذا الجسم . إضافة لذلك نلاحظ ان بعض الالوان الخاصة قد تختفي من نجم لآخر حسب العناصر المكونة لهذا النجم . عند دراسة الأطياف الضوئية للنجوم الموجودة في مجرة درب التبانة، كان هناك فقدانا للألوان المتوقعة في الطيف بما يتوافق مع التركيب المادي لمجرة درب التبانة ، لكن هذه ظهرت منزاحة نحو الطرف الأحمر من الطيف . الأمر الذي يذكرنا بظاهرة دوبلر.
في ظاهرة دوبلر : يختلف التواتر للأمواج الصادرة عن منبع موجي ما باختلاف شدة و سرعة هذا المصدر، فمثلا السيارة التي تقترب باتجاهك تكون ذات صوت عالي حاد (تواتر مرتفع) لكن نفس السيارة تصبح ذات صوت أجش (تواتر منخفض) بعد أن تجتازك و تبدأ بالابتعاد عنك . فتواترات المواج الصوتية تختلف حسب فرق السرع و الاتجاه بينك و بين المصدر، لأنه في حالة اقتراب المصدر منك (الراصد) يصله شيئا فشيئا مقدار أكبر من الأمواج فيرصد تواتر أعلى لللأمواج لكن حينما يبتعد المصدر يبدا الراصد يتلقى امواجا أقل فأقل (التواتر ينخفض) .
ينطبق نفس هذا المبدأ على الأمواج الضوئية فإذا كان المنبع الضوئي يبتعد عنا فهذا يعني أن تواترات الأمواج المستقبل ستكون أقل فأقل أي منزاحة نحو الأحمر اما إذا كان المنبع يقترب فستكون المواج الضوئية المستقبلة منزاحة نحو الأزرق(البنفسجي) .
التصور البدئي كان يعتقد أن المجرات تتحرك عشوائيا و بالتالي كان التوقع ان عدد الانزياحات نحو الأحمر سيساوي الانزياحات نحو الأزرق و سيكون المحصلة معدومة (لا إنزياح) لكن رصد هابل بجدولة أبعاد المجرات و رصد طيوفها مثبتا أن جميع المجرات تسجل انزياحا نحو الأحمر أي أن جميع المجرات تبتعد عنا، أكثر من ذلك أن مقدار الانزياح نحو الأحمر (الذي يعبر هنا عن سرعة المنبع الضوئي أي المجرة) لا يختلف عشوائيا بين المجرات بل يتناسب طردا مع بعد المجرة عن الأرض، أي أن سرعة ابتعاد المجرة عن الأرض تتناسب مع بعدها عن الأرض .العالم ليس ساكنا إذ إنه يتوسع، كانت مفاجأة أذهلت العديد من العلماء.
رغم أن ظاهرة التثاقل الموجودة في الكون كانت كافية لتدلنا أن الكون لا يمكن ان يكون سكونيا بل يجب أن يتقلص تحت تأثير ثقالته ما لم يكن أساسا متوسعا أو يملك قوة مضادة للجاذبية، فإن نيوتن لم يناقش هذه الحالة و حتى آينشتاين رفض فكرة كون غير سكوني حتى أنه أضاف ثابتا كونيا يعاكس الثقالة ليحصل على كون سكوني . الوحيد الذي قبل النسبية العامة كما هي و ذهب بها إلى مداها كان ألكسندر فريدمان .
وضع ألكسندر فريدمان فرضيتين بسيطتين :
* الكون متماثل في جميع مناحيه .
* جميع نقاط الرصد متشابهة و يبدو منها الكون بنفس حالة التماثل (فلا أفضلية لموقع رصد على آخر) .
نتيجة ذلك حصل فريدمان على ثلاثة نماذج تناقش حركية الكون و إمكانيات توسعه و تقلصه .
إشعاع الخلفية الكونية الميكروي
المقال الرئيسي: إشعاع الخلفية الكونية الميكروي
في شركة بل بنيوجرسي كان بنزياس و ويلسون يختبران كاشفا للأمواج السنتيمترية (أمواج مكرونية تواترها عشرة مليارات في الثانية)، و كانت المشكلة ان جهازهما كان يستقبل إشعاعات مشوشة أكثر مما ينبغي . الإشعاعات المشوشة كانت أشد عندما يكون الجهاز في وضع شاقولي منها عندما تكون في وضع أفقي . أما فرق الشدة بين الوضع الشاقولي و جميع الاتجاهات الأفقية فكان ثابتا .
كان هذا يعني أن مصدر هذا الإشعاع من خارج الأرض، و أنه لا يتأثر يحالات الليل و النهار و لا اختلاف الفصول مما يعني أيضا أنه خارج المجموعة الشمسية، و حتى خارج مجرتنا، و إلا فإن حركة الأرض تغير جهة الجهاز و من المفروض ان تغير شدة الإشعاع المشوش .
كان هذا الإشعاع غريبا في تماثله في جميع نقاط العالم المرصود فهو لا يتغير من جهة رصد لأخرى و لا من نقطة لأخرى . كان ديك و بيبلز من جهة اخرى يدرسان اقتراح غاموف (تلميذ فريدمان) و الذي يقول أن العالم بما أنه كان عبارة عن جسم ساخن و كثيف جدا و مشع في بداية أمره فإن إشعاعه لا بد أنه باق إلى الان . كما أن توسع الكون لا بد أن ينزاح نحو الأحمر (مفعول دوبلر) و ان يصبح بشكل إشعاع سنتمتري .
عندئذ أدرك بنزياس و ويلسون ان ما رصداه ما هو إلا بقايا إشعاع الكون البدئي الذي أطلق عليه لاحقا اسم : (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي ) .
نماذج فريدمان
استنتج فريدمان من فرضيتيه نموذجا واحدا يتحدث عن كون يتوسع كالبالون بحيث أن جميع البقع على سطح البالون تبتعد عن بعضها البعض . لا يوجد في هذا النموذج أي مركز للكون فلا يوجد أي شيء داخل النفاخة و الكون لا يمثل أكثر من هذا السطح المتوسع . يتحدث نموذج فريدمان أيضا عن كون يتوسع بمعدل بطيء بحيث يصل إلى مرحلة توازن ثم يبدأ التثاقل بتقليص الكون ليعود إلى حالته البدئية المضغوطة (في البداية تتزايد المسافات بين المجرات حتى حد أعلى ثم تبدأ بالتناقص لتعود المجرات إلى التلاصق من جديد . ). يتنبأ هذا النموذج أيضا بانزياح طيف المجرات نحو الأحمر بشكل متناسب مع بعد المجرات عنا (و هذا يتلائم مع نتائج رصد هابل) .
عام 1935 أوجد الأمريكي روبرتسون و البريطاني وولكر نموذجان إضافيان انطلاقا من فرضيتي فريدمان نفسهما ، في هذين النموذجين : يبدأ الكون بالتوسع من حالة كثيفة جدا بمعدل توسع عال جدا لدرجة أن التثاقل لا يمكنه إيقاف هذا التوسع فيستمر التوسع إلى ما لا نهاية (استمرار زيادة المسافات بين المجرات) ، في الحالة الأخرى يبدأ الكون بالتوسع بمعدل متوسط إلى ان يصل لمرحلة يتوازن بها التوسع مع التقلص الثقالي فيصبح في حالة ثابته لا تتوسع و لا تتقلص (تصل المسافات بين المجرات إلى قيمة ثابتة لا تتغير بعدها ).
تاريخ الانفجار العظيم
تطورت نظرية الانفجار العظيم من ملاحظات و اعتبارات نظرية. الملاحظات الأولى كانت واضحة منذ زمن و هي ان السدم اللولبية spiral nebulae تبتعد عن الأرض، لكن من سجل هذه الملاحظات لم يذهب بعيدا في تحليل هذه النتائج . في عام 1927 قام الكاهن البلجيكي جورج ليمايتري Georges Lemaître باشتقاق معادلات فريدمان-ليمايتري-روبرتسون-ووكر Friedmann-Lemaître-Robertson-Walker equations إنطلاقا من نظرية آينشتاين العامة و استنتج بناء على تقهقر السدم الحلزونية spiral nebulae أن الكون قد بدأ من إنفجار "ذرة بدئية" ، و هذا ما دعي لاحقا بالانفجار العظيم Big Bang . في عام 1929 ، أثبت إدوين هابل Edwin Hubble نظرية لايمتري بإعطاء دليل رصدي للنظرية . اكتشف هابل أن المجرات تبتعد و تتراجع نسبة إلى الأرض في جميع الاتجاهات و بسرع تتناسب طردا مع بعدها عن الأرض ، هذا ما عرف لاحقا باسم قانون هابل . حسب المبدأ الكوني cosmological principle فإن الكون لا يملك إتجاها مفضلا و لا مكانا مفضلا لذلك كان استنتاج هابل ان الكون يتوسع بشكل معاكس تماما لتصور آينشتاين عن كون ساكن static universe تماما .(ساندي بيل چذب)
مراحل تطور الانفجار
بناءا على قياسات الانفجار الكوني باستخدام مستعر أعظم نمط Iأ Type Ia supernova و قياسات إشعاع الخلفية الميكروية الكونية cosmic microwave background radiation ، و قياسات دوال الارتباط للمجرات ، يمكن حساب عمر الكون على أنه 13.7 ± 0.2 مليار عام . توافق هذه القياسات الثلاثة يعتبر دليلا قويا على ما يدعى نموذج لامبدا-سي دي ام Lambda-CDM model الذي يصف تفصيلا طبيعة محتويات الكون .
الكون البدئي كان مملوءا بشكل متجانس بكثافة طاقية عالية و درجات حرارة و ضغط عاليين . يقوم الكون بالتوسع و التبرد (كنتيجة لتوسعه) ليمر بمرحلة انتقال طور phase transition مماثلة لتكاثف البخار أو تجمد الماء عند تبرده ، لكنها هنا انتقال طور للجسيمات الأولية .
تقريبا بعد 10-35 ثانية من فترة بلانك يؤدي الانتقال الطوري إلى خضوع الكون لنمو أسي exponential growth خلال مرحلة تدعى التوسع الكوني cosmic inflation . بعد توقف التوسع ، تكون المكونات المادية للكون بشكل بلاسما كوارك-غلوون quark-gluon plasma ( انظر [1]) و في حين يستمر الكون بالتوسع تستمر درجة الحرارة بالانخفاض . عند درجة حرارة معينة ، يحدث انتقال غير معروف لحد الآن يدعى اصطناع باريوني baryogenesis ، حيث يتم اندماج الكوراكات و الباريونات معا لانتاج باريونات مثل البروتونات و النترونات ، منتجا أحيانا اللاتناظر الملاحظ بين المادة و المادة المضادة . درجات حرارة أكثر انخفاضا بعد ذلك تؤدي للمزيد من انتقالات الأطوار الكاسرة للتناظر التي تنتج القوى الحالية في الفيزياء و الجسيمات الأولية كما هي حاليا .