اختلف المسلمون في قصر الصلاة في السفر هل هو عزيمة أو رخصة ؟ والأدلة الثابتة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تؤكد أن القصر ليس مجرد رخصة وإنما هو عزيمة ـ أي واجب ـ ، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يثبت عنه أنه أتم الصلاة في سفره ، وما روي عنه من ذلك لم يصح في النقول الصحيحة ، كما قاله العلامة ابن القيم ، ونحن مأمورون أن نصلي كما كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي ، ولو كان القصر رخصة لأوضح ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله أو فعله ولو مرة واحدة ، أضف إلى ذلك أن السنة القولية جاءت معززة لما ثبت من فعله ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ ، فقد روي عنه (( صلاة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهله )) ، وروي عنه (( ألا وأن تقام الصلاة في الحضر أربعاً وقصرها ركعتان ، إلا وأن تقام الصلاة في السفر ركعتين وقصرها أربع )) ، وناهيك بعمل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ الذين هم خير القرون وأعلم الناس بهدي خير الخلق ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ ، وقد ثبت عنهم الإنكار على إمامهم وخليفتهم عثمان بن عفان عندما أتم الصلاة بمنى حتى قال ابن مسعود (( صليت خلف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمنى ركعتين وخلف أبي بكر ركعتين وخلف عمر ركعتين ، فليت لي من أربع ركعتين مقبولتين )) ، وقد اعتذر إليهم ـ أي عثمان ـ بأن إتمامه في منى لأن له فيها حكم المقيم ، من حيث إنه له أهل فيها ، ومن كان كذلك فهو مقيم حسبما سمعه من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . هذا وقد اختلفت المذاهب الإسلامية في تحديد مدة السفر ، فقد جاء في بعضها تحديده بأربعة أيام ، وفي بعضها بثلاثة أيام وفي بعضها بخمسة عشر يوماً ، والسنة لم يأت فيها تحديد ، فقد أقام ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة ثمانية عشر يوماً وهو يقصر الصلاة ، كما أنه أقام في غزوة تبوك شهراً أو أكثر وهو يقصر الصلاة ، وكان أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ يقصرون بالمقام في الأسفار ولو إلى سنتين ، وبهذا يتضح أن العبرة بالاستقرار لا بغيره ، فمن رأى أنه مستقر في بلد هو مقيم فيه إقامة غير محدودة ، عازم على استمراره في الإقامة به فليتم صلاته ، وإلا فليقصرها . والله أعلم .