البيع بالتقسيط: في حالة الشراء بالتقسيط يدفع المشتري الدفعة المقدمة، ولنقل مثلاً أنها خمسة آلاف ريال من أصل خمسة عشر ألفاً، فالباقي عشرة آلاف، تقوم الشركة بعدها باحتساب فوائد قسطها بواقع(8% )سنوياً، أي أن فوائد عشرة آلاف في السنة الواحدة هي ثمانمائة ريال تضاف للعشرة آلاف، وإن طلب تقسيطها على سنتين ضوعفت الفائدة السنوية، ثم قسمت على سنتين لتحديد مبلغ القسط الشهري وهكذا، فما الحكم سماحة الشيخ في هذه المعاملة؟
الجــــــــــــــواب:
هذه المعاملة لا يخلو إما أن تكون دائرة بين طرفين فقط، أو تكون دائرة بين ثلاثة أطراف، فإن كانت دائرة بين طرفين فهي دائرة بين البائع والمشتري من غير أن يتدخل طرف ثالث، وفي هذه الحالة إن كان هذا البيع مجزوماً من أوله بأنه يكون بالأقساط إلى مدة عام أو عامين بسعر كذا، بحيث يزيد السعر إن كان الطرفان اتفقا على أن يكون إلى عامين، ويقل إن اتفقا على أن يكون إلى عام،مع الجزم بأحد الوجهين ـ كما قلنا ـ فإنه لا حرج في ذلك، فلا مانع مثلاً من أن يبيع أحد سلعة بثلاثة ريالات نقداً ويبيعها نسئة إلى مدة عام بأربعة ريالات، ولكن الممنوع أن تكون العقدة عائمة،بحيث لا يجزم بشيء، وذلك بأن يقول البائع للمشتري:أبيعك هذه السيارة أو هذا البيت أو هذا الشيء أياً كان بعشرة آلاف نقداً وبخمسة عشر ألفاً نسئة إلى مدة كذ.
فإن هذه العقدة تكون في هذه الحالة عائمة، وذلك مما يدخل في بيعين في بيع، وقد نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن بيعين في بيع،كما جاء في رواية أخرى أنه نهى عن صفقتين في صفقة، وذلك لا يجوز، لعدم البت كما ذكرنا،وجواز هذه الزيادة مشروط بأن لا تكون مطردة،وذلك أنه قد يتأخر المشتري من تسديد الثمن لسبب من الأسباب فلا يحمل زيادة على سعر الأصل إن تأخر لعسر ـ مثلاً ـ،وإن تأخر لغير عذر فإنه يطالب بالحكم الشرعي أن يدفع، وإذا تأخر عن الدفع فالقضاء الشرعي يتدخل في هذه الحالة ولو ببيع بعض ما يملك من أجل سداد دينه, أما إن كان هناك طرف ثالث، وذلك بأن يجتمع في هذه الصفقة بائع ومشتري وممول،والممول يدفع إلى البائع الثمن على أن يكون المشتري يدفع إليه الأقساط ففي هذه الحالة يكون الممول مقرضاً ويستوفي ما أقرض بزيادة، وكل قرض جر نفعاً فهو حرام كما جاء في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ففي رواية الإمام الربيع ـ رحمه الله ـ عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه نهى عن بيعتين في بيعة،وعن قرض جر منفعة، وقد جاء في بعض الروايات"كل قرض جر نفعاً فهو حرام"،ورواية الإمام جابر ـ رحمه الله ـ وإن كانت مرسلة إلا أنه لثقته وضبطه وأمانته وكثرة من لقيهم من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يعد مرسله كالمتصل ـ عند أصحابنا،فلذلك يأخذون بمراسيله ويعتبرونها حجة،هذا مع اعتضاد ذلك بالإجماع، فإن الإجماع منعقد على أن كل قرض جر منفعة فهو ربا.
سواء كانت منفعة مادية أو معنوية،بل حتى لو توصل المقرض إلى شفاعة من المقترض إلى أحد ولولا هذا الإقراض لم يتوصل إليها،فإن ذلك يعد حراماً،ولذلك حرمت ضيافة المقترض للمقرض إن لم يكن بينهما من قبل تداخل وضيافة بحيث يتزاوران وكل واحد منهما يضيف الآخر،وكذلك إن حمله على دابته أو على سيارته بسبب ذلك القرض، فإن ذلك أيضاً يكون حراماً، جاءت بذلك الروايات عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي وإن كانت لم تخلُ من مقال إلا أنها تعتضد ـ كما قلت ـ بالإجماع، وتعتضد بالأقوال المروية عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ،وقد ثبت ذلك عنهم، وذلك أنهم جعلوا القرض قربة إلى الله تعالى لا يأخذ المقرض من المقترض بسببها أي نفع والله تعالى أعلم.